المادة    
الشيء العظيم جداً الذي اختص الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بأعظمه وأشمله النبي صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو ما يأتي به الأَنْبِيَاء من الشرائع.
ولهذا يقول النبي صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {وإنما كَانَ الذي أوتيته وحياً أوحاه الله إلي وأرجو أن أكون أكثرهم تابعاً يَوْمَ القِيَامَةِ} وما ذاك إلا لأن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى جعل بينته وحياً نورانياً يتلى ويتناقل ويتداول، ولم تكن خارقة حسية يراها بعض الناس، أو يتناقل أخبارها بعض الناس، وإنما كانت مع وجود هذه الخوارق والآيات الحسية وحياً يتلى.
  1. ما من خير إلا وقد دل عليه الأنبياء

    إن ما يأتي به الأَنْبِيَاء من الشرائع يدلُ كلَ ذي عقل ولبٍ سليم عَلَى أنهم صادقون، فهم يدعون إِلَى البرِّ، والعدلِ، ويدعون إِلَى الأخلاق الحسنة، ويدعون إِلَى إخلاص النيات والقلوب لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ويدعون إِلَى المساواة بين النَّاس في الحقوق والواجبات، ويدعون إِلَى إصلاح الأسرة، ويدعون إِلَى إصلاح المجتمع، ويدعون إِلَى إصلاح الدولة، فلا خير إلا ويدل عليه الأنبياء، فلو تأمل العاقل ما يدعون إليه لوجد أنه الحق والخير والحكمة والهدى والرشاد.
  2. أحوال مخالفي الأنبياء تنبئك عن فساد ما يدعون إليه

    لو تأمل أحوال مخالفيهم والذين يناوئونهم لوجد العناد والكبر والاستخفاف.
    فماذا قال فرعون؟
    قال: ((أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى)) [النازعات:24]، ((مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي)) [القصص:38]!!
    وماذا قال أبو جهل: لا نرجع حتى نرد ماء بدر فتعزف القيان ونضرب العود ويسمع العرب أننا أعزهم!!
    وإذا قورن كلام النبي بكلام أعداء النبي يظهر الفرق جلياً بين ما يريد هذا ويدعو إليه، وبين ما يريده أُولَئِكَ ويدعون إليه، فهم يريدون العلو والفساد في الأرض، والاستكبار عَلَى خلق الله واستضعافهم، واستعبادهم.
    وأما الأَنْبِيَاء فإنهم يريدون الإيمان والصلاح، والخير والفلاح، لهَؤُلاءِ البشر جميعاً في الدنيا والآخرة، ولهذا يتبعهم الضعفاء أول أمرهم، وهم الأشراف العقلاء، أما أصحاب المناصب، وأصحاب الشهوات، وأصحاب الكبر والعناد، فإنهم يعرضون عنهم.
    فهذا الدليل -ما يأتي به الأَنْبِيَاء من الشرائع- هو نفسه من الأدلة القطعية عَلَى أنهم إنما يوحى إليهم، وإنما يتلقون ذلك من عند الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى، فهذا أيضاً من ضمن الأدلة المعلومة بالتواتر وبالبراهين من واقع حال الأَنْبِيَاء صلوات الله وسلامه عليهم.

    وهنا ينتقل المُصنِّف رحمه الله تعالى إِلَى دليل آخر قوي جداً وهو الاستدلال عَلَى صدق الأَنْبِيَاء وعلى حقيقة دين الأَنْبِيَاء بصفات الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وقد كنا تحدثنا في أول الكتاب عن الاستدلال بصفات الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَلَى وجوده سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وعلى إلاهيته وعلى توحيده.